◄إنّ الدين فطرة من الفطر التي فطر الله الناس عليها، وهو ضرورة كضرورة الضوء للعينين، والهواء للرئتين، والروح للجسد.
والدين يمثل أكرم صلة بين الخالق والمخلوق، وينظّم أوثق علاقة بين السماء والأرض؛ فإنّ أشرف ما في الأرض الإنسان، وأشرف ما في الإنسان قلبه، وأشرف ما في القلب الإيمان بالله، خالق الوجود وواهب الحياة.
والدين قيمة خلقية؛ فإنّ الإنسان له غرائز طبيعية واستعدادات نفسية وميول فطرية، وهذه الغرائز والاستعدادات والميول هي التي توجه الإنسان، وترسم له خطوط سيره، فإذا تركت وشأنها نزعت به إلى شرِّ منزع.
فإنّ من الناس مَن تغلب عليه الشهوة البهيمية فيكون في ممارسته لها أحط من البهائم.
ومنهم مَن تغلب عليه الشهوة الغضبية فيكون في ظلمه وبغيه وعداوته وانتقامه أضرى من الوحوش المفترسة.
ومنهم مَن تغلب عليه الشهوة الشيطانية فيكون مثل إبليس في المكر والكيد والخبث، والنفاق والرياء، والكذب والخداع والتضليل والتمويه.
والدين وحده، بعقائده وشرائعه، وآدابه ومثله، هو الذي يطهِّر النفوس من هذه النقائص البهيمية والغضبية والشيطانية. وهو الذي يهذّب الغرائز ويعليها، ويوجهها إلى خيرها وبرها، فهو الذي يكبح جماح الشهوة الهيمية فتكف عن التدلي والتسفل والشره، وهو الذي يوجهها إلى الاتّصاف بالعفة والقناعة والنزاهة والشرف.
وهو الذي يمنع الشهوة الغضبية من الاسترسال في الظلم والبغي والعدوان والمسارعة إلى الانتقام، ويوجهها إلى الشجاعة في الحقّ، ومواجهة الباطل بالعنف، ومناصرة الضعيف، وإغاثة الملهوف.
وهو الذي يطارد وساوس الشيطان وحظه في النفس، ويحوّل شروره وآثامه إلى الصدق والإخلاص، والطيبة والسماحة وصفاء السريرة، والمحبة والمودة وحب الخير للناس.
والدين هو الذي يوجه إلى إرادة الخير وكراهة الشر، وهو الذي يغرس في النفس حب الحقّ والعدل، ومقت الباطل والظلم. وهو الذي يحبب إلى الناس المعاونة والمؤازرة بالمال والعلم والإرشاد.
وهو الذي يفجر في النفس مشاعر الرحمة والعطف والتواضع، ويميت القسوة والغلظة والكبرياء.
وهو الذي يدفع الإنسان دفعاً إلى النشاط الإنساني، ويجنبه كلّ ما من شأنه أن يعوّق النشاط التعاوني البار الرحيم.
وهو الذي يوجه إلى عمل الدنيا وعمل الآخرة، ويجنب المرء الكسل والضعف والخنوع والرضا بالدون.
والدين هو الموجد للضمير؛ والضمير هو الشعور النفسي الذي يقف من المرء موقف الرقيب، يحثه على أداء الواجب وينهاه عن التقصير فيه، ويحاسب بعد أداء العمل، مستريحاً للإحسان ومستنكراً للإساءة.
وهذه الفضائل مجتمعة هي التي تكفل إيجاد فرد مهذب، وأسرة سعيدة، ومجتمع فاضل، ودولة رشيدة، وحضارة راقية، ومدنية زاهرة.
هو الذي يحقق إرادة الله في إيجاد كيان قوي، يمثل الفضيلة ويجسمها في صورة عملية منظورة جديرة بكرامة الإنسان.
ويبقى بعد ذلك أن نتساءل: ما هو الدين الذي يستطيع أن يصنع هذا كلّه؟►
المصدر: كتاب دعوة الإسلام
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق